من فترة لاحظت زيارات كثيرة تعدت حد اللباقة لقريبة ثرثارة لا تصمت، والأسوأ هو إحضارها دلة مليئة بقهوة عكره تُصر على شربي لها. هذه القريبة يا قارئي أيضًا
تزورك واسمها: تفكير زائد. قبل أن أخبرك كيف "نشفت" ريقها دعني
أولاً أخبرك عن شخصيتها وخطورتها على صحتك النفسية، حتى تستطيع التعرف عليها.
ما هو التفكير الزائد ؟
قارئي علميًا القلق من مشكلة كصعوبة إيجاد وظيفة ثم التفكير الزائد بذلك
طبيعة في حياتنا، لكن غير الطبيعي هو أن يكون ثرثرة التفكير الزائد والقلق جزءاً
من تعاملنا مع كل شيء نفعله. كيف تتساءل قارئي؟
من فترة كان أخي يبدو متضايقاً. هل ذلك بسبب عمله؟ هل مازالوا يرفضون ترقيته
أم هناك أمرًا آخرًا يضايقه؟ لماذا لا يعطونه تلك الترقية وهو مستوفٍ لجميع
متطلباتهم؟ يا لله هو يشابهني بشخصيته لذا لن يفضل اللجوء لغيره إلا نادرًا. هل
أذهب لغرفته للتخفيف عنه؟ أشعر بصعوبة فعل ذلك قد يكون الآن يفضل البقاء وحده
بغرفته دون مقاطعة، ماذا لو ...... أرأيت قارئي كيف أنني عوضا عن "سؤاله"
بكل بساطة عن سبب ضيقه أو تبرير عقلي بأن سبب "ضيقته" قد يكون حرارة الجو
التي تميع الاسترخاء، انصاع عقلي للقلق ولثرثرة التفكير الزائد، واستنزف وقتاً
وأنا باقية في مكاني لم أفعل شيئاً لمعرفة سبب ضيق أخي.
من الطبيعي شعوري بالقلق تجاه أخي، ولكن من الخطأ أن استمع لثرثرة التفكير الزائد أو الأصح بهذه الحالة قول: عدم التصرف حتى ينشف حلق التفكير الزائد.
كيف أتخلص من التفكير الزائد؟
هذه القريبة الثرثارة تجعل دماغك ينشغل عن حل المشكلة. بمعنى آخر التفكير الزائد يضل يثرثر بداخل عقلك كثيرًا عن مشكلة فلا تستطيع نتيجةً لذلك التفكير بالحل؛ لأنك عالق بالتفكير فقط بالمشكلة. غير أن الاستمرار بهذه العادة قارئي ستجعل عقلنا المسكين يمتلك نمط "Destructive thought patterns" مما يعني تعود عقلك على تحليل الأمور بطريقة سلبية، مثل سيناريو "ضيق أخي" المذكور بالأعلى. قد يؤدي الاستسلام لثرثرة التفكير الزائد إلى زيادة خطر إصابتك بأمراض نفسية معينة، وفقًا لبحث أُجري عام 2021.
خطوات التخلص من التفكير الزائد بناءً على تجربتي:
للتنويه: الخطوات صحيحه علميًا لكن ما تحتها هو بناءً على تجربتي في تطبيقها.
- لماذا يستمع دماغك لثرثرة التفكير الزائد؟
من الضروري معرفة سبب أو أسباب بقائك عالقًا تستمع لثرثرة التفكير الزائد.
هل هو بسبب مشكلة لا تستطيع حلها تؤثر في مزاجك وتعاملك مع بقية أمور حياتك، ما هو
الشعور الذي يرافقك في أثناء التفكير الزائد؟ هل هو الغضب، التوتر أو الذنب؟ الوعي
بأن هناك خطبٌ ما بطريقة تحليلك لمواقف حياتك خطوة أساسية.
- الوعي بأن ما أفعله ليس صحياً
أول خطوة ملموسة اتخذتها في تنشيف حلق التفكير الزائد أو بمصطلح علمي: الوعي بالمشكلة كان الكتابة عن مشاعري. تعودت دائمًا استخراج كل ما يملى عقلي من مشاعر على ورقة، حتى أستطيع التفكير بصفاء. نحن نتفق أن التفكير الزائد دائمًا يؤدي إلى:
• بقاؤنا عالقان بالمشكلة أو الموقف الذي سببت دخولنا بدوامة التفكير
الزائد.
• استنزاف وقتنا دون الوصول لحل للمشكلة.
• جعلنا في حالة نفسية سيئة.
في دراسة أقيمت عام 2005 بجامعة كامبريج عن فوائد الكتابة عن المواقف الصعبة
المثيرة للقلق وجد أن الكتابة لمدة 15-20 دقيقة عن تلك المواقف حسن من الصحة
الجسدية والنفسية لمن خضع لتلك الدراسة بعد 4 شهور، وذلك منطقي يا قارئي؛ لأن
عقلنا هو حجر الأساس الثاني بعد القلب وكلاهما يتأثران بمشاعرنا.
سأشارك معك أحد النصوص التي كتبتها عن ثرثرة التفكير.
رسالة إلى / الثرثارة "تفكير زائد"
لا سلام ولا رحمة عليك.
ما هذه البلعوم الذي تمتلكينه! لم ينشف ريقك رغم كمية الثرثرة السلبية التي
تفوهتِ بها! لتعلمي عزيزتي أن كتابتي لهذه الرسالة ليس خوفًا منك لكن لمصلحتك؛
لأنني لو رأيتك وجهًا لوجه سيحدث لك ما لا يحمد عقباه. مثل ماذا تتساءلين؟ أتذكرين
فنجال "التمهل في اتخاذ القرارات" الذي ظللتِ تسقينني إياه في كل زيارة،
سآخذه وبكل " تمهل" أضغطه في منتصف جبهتك.
ثانيًا: ليس من اللائق ملئ الفنجال كاملاً عند تقديمه، لكنني اعترف أفرطت
بشرب فناجيل الخوف والتردد والقلق المفرط منك إيمانًا أنك قريبة تُنبهني من الجانب
السيء في كل خطوة أريد الإقدام عليها "حتى تساعديني باتخاذ القرار
الصائب" لكن فناجيلك تشبع بها عقلي حتى أصبحت أرى السلبي بكل أمر.
ابتعدي عن زيارة عقلي يا بغيضة، سأقابلك في
المناسبات الكبيرة من الآن وصاعدًا وأعلمي أنني لو رأيتك بغير ذلك لن أكون مسؤولة
عن التصرفات التي تبدر مني.
الكاتبة التي ستنشف ريقك
هالورينا.
- إيجاد ما يشغل عقلنا عن التفكير الزائد.
أضف ليومك نشاطاً يشغلك عن ثرثرة التفكير الزائد. هناك أنشطة أفعلها تجعلني
أترك الثرثارة "تفكير" في مجلس بيتنا مع فناجيل القلق العكرة لوحدهم ،ولاحظتم
تحدثي عن قالب للعادات في تويتر تحت وسم #صملة_الروتين، لكنني سأتحدث عن ذلك
بإسهاب بتدوينة أخرى، حتى أخبركم تجربتي بذلك وما هي الأخطاء التي كادت أن تحول
بين نفع هذا الأمر في تنشيف ريق "التفكير الزائد".
- الاسترخاء
هنا لن أذكر لك دراسة علمية كل ما سأقوله لك هو: الصلاة. جميعنا نطمح أن نكون
خاشعين لله متجاهلين لكل مشاكل الحياة في أثناء الصلاة؛ لأننا بين يدين خالق كل
شيء وملكيه، عالم الغيب والمدبر لكل شيء، الرحيم الذي لا يكلفنا إلا بما نستطيع
تحمله، وهذا يثير الاسترخاء والطمأنينة بداخلنا.
نعم بعض الأحيان التفكير الزائد "يصرخ" داخل رؤوسنا، لكن يا قارئي رب السماء يقول لنا "واسجد واقترب"[العلق:19] و"فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان"[البقرة:186].
سأخبرك بأمر سمعته عن قصة إبراهيم
-عليه السلام- يجعلني حرفيًا أرمي فناجيل القلق بوجه التفكير الزائد. تنفس بعمق
وتأمل معي.
نار يا قارئي استغرق لجمع حطبها مدة من الزمن. نار لم يكتفِ قوم إبراهيم بأرضهم، بل ذهبوا لأماكن أخرى ليجمعوا أكبر قدر ممكن من الحطب. يريدون أن يرموا إبراهيم بداخلها لكسره أصنام آلهتهم. إبراهيم الذي ربى بينهم، وكبر تحت أعينهم، جميعهم ضده حتى أبوه.
أتى اليوم الموعود، ورموا كل ذلك الحطب في حفرة عظيمة وأشعلوا النار، فبدأت النار تلتهم ذلك الحطب بشراهة، وتتأجج أكثر وأكثر، ويرتفع شرر لهيبها. ماذا فعلوا بإبراهيم -عليه السلام-؟ قيدوا يديه ورجليه ثم وضعوه بمنجنيق ورموه بالنار. قارئي أتعلم كيف أنقذه الله؟
قد نفكر بطرق "منطقية " مثل أن يأمر خالق السماوات والأرض السماء
أن تمطر أو النار بأن تَنطفئ، لكن تأمل هذه الآية:" يا نار كوني بردًا
وسلامًا على إبراهيم" [الأنبياء، آية 69] الله أنجاه بأكثر طريقة تنافي
"المنطق" الذي نعرفه، أمر النار الحارقة شديدة الحرارة أن تكون بردًا
وسلامًا على إبراهيم.
الله أنقذه بأكثر طريقة مستحيلة في "منطقنا" لذلك أذكر نفسي وأذكرك أنه لا يوجد بهذا العالم شيء يمكنه أن يثير القلق المفرط أو الخوف بداخلنا
ولنا رب عليم بما يُقلق نومنا وحياتنا، مدبر لكل شيء فيه نفع لنا فهو -سبحانه-
أرحم على العبد أكثر من الأم على رضيعها.
أتمنى أفدتكم بهذه التدوينة، ولا تنسوا مشاركتها مع كل من تحبون وفي وسائل التواصل الاجتماعي.
ألقاكم في الجزء الثاني من تنشيف ريق التفكير الزائد.
شكراً على الطرح الجميل المفيد وانتظر الجزء الثاني كيف تنشف ريق التفكير الزائد ❤👍🏻
ردحذف