لا أعلم متى بالتحديد حدث ذلك، لكن بيوم شعرت
أن هنالك حقيقة لطالما كانت مخفية عني وأزيح الآن الستار عنها: الحياة مرهقة دون
إيمان بالقضاء خيره وشره.
عندما مرضت جدتي وأصبحت تعيش معنا كنت أقف في كثير من الأحيان أشاهد ما يحدث أمامي دون قدرة على فعل أيّ شيء سوى عصر الإيجابية بداخلي حتى أستطيع مواساة أمي عندما تشتد رمادية ما نمر به من ظروف.
الأمهات
يبكون والأباء تحفر تجاعيد الحزن وجوههم.
اللحظة التي حتى الآن عالقة بذاكرتي بكل تفاصيلها، بل أشعر أنني
أنتقل بجسدي إليها حال تذكري لها، رؤية دموع أمي لأول مرة بعد انتهائنا من الصلاة
على جدتي، والله حتى الآن لا أعرف كيف حملتني رجلي إليها، شعرت بغرابة وصعوبة
شديدة في فتح ذراعي لضمها، رغم ذلك قاومت وضممتها.
وقبلها بشهور فقد والدي أمه، رحمة من الله لم أرى حزنه بعيني لكن بعد هذه التجربتين بدأت الشعور بنار تشتعل بداخلي.
لن أخفي عليك قارئي أن جسدي أجبرني على البكاء في البداية لتجاهلي طبيعة تقلب المشاعر بالأوقات الصعبة، ثم تعلمت البكاء والكتابة حتى أنساب مع طبيعة ما أمر به وأتفادى عواقب تجاهلي للحزن.
ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك
لم يكن ليصيبك
استوعبت عندما بغلت 23 عامًا أنني وصلت لقامة أمي وأبي، وأستطيع رؤية
الحياة من منظورهم وأصابني ذلك بالجزع، لا يمكنني إحصاء الأفكار المخيفة التي
غزتني بعد إدراكي لذلك، قضيت أيام وأنا لا أريد مفارقتهم خوفًا من خسارتهم وخوفًا
من الاختلاء وحيدة بتلك الأفكار، غير أنني أصبحت أبتعد عن قراءة ومشاهدة أيّ أمر
حزين.
لم أخبرهم بالطبع عن تلك الأفكار لأنني شعرت أنه حان وقت أن أسندهم لا أستند عليهم، ولكن رحمة الله دائمًا تحيط بالعبد.
ما هي معية الله؟
الله -عز وجل- من فوق عرشه دائمًا قريب مني، يسمع دُعائي، ويعلم ما يعجز
لساني عن نطقه. يقول جل جلاله في كتابة الكريم: (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا
كُنْتُمْ) الحديد: 4.
ادعي وربك يستجيب
جملة تعلمتها من والديني منذ الصغر، وترددت على مسامعي كلما أخبرتهم عن أحلامي وإنجازات
أردت تحقيقها عندما أكبر. بعد وفاة جداتي بدأت أدعو أن تطفئ الطمأنينة نار الجزع
التي تشتعل بصدري، بفضل الله بدأت الطمأنينة تنمو وانطفأت رُوَيْدًا رُوَيْدًا نار
الخوف التي كانت تشتعل بصدري.
(لن يكلف الله نفسًا إلا وسعها)
آية أخرى كنت أُذكر نفسي بها في تلك الأيام الرمادية، لن يضعني الله
بموقف إلا ويعلم جل جلاله بأنني نِدّ له. أيضًا تفسير آية 5 و6 من سورة الشرح
الذي ينص على أن العسر الواحد يلحقه يُسرين لكرم الله الذي لا حدود له، في كل موقف
صعب أحاول تذكير نفسي قدر ما استطعت بالدعاء والفعل بالأسباب ثم أقف لأشاهد كيف أن
رحمة الله ستخرجني من هذا العسر وكيف أن كل شيء يحدث لحكمة.
قارئي مدونتي العزيز كتابة هذه التدوينة تطلبت مني وقتًا لأتخطى بشكل
سليم ما مررت به وأيضًا شجاعة لأشارك هذه التفاصيل، لكن ما شجعني على كتابتها أنني
شاركتك منذ بدايتي سر هالورينا ورغبتي بتذكيرك أنه لولا معية
الله الدائمة لنا لانتهينا بهذه الدنيا نَفْسِيًّا.